قال أبو المظفر الوزير، عون الدين بن يحيى بن هبيرة: كان سبب ولايتي الوزارة، أنني ضاق ما بيدي، حتى فقدت القوت أياماً، فأشار عليّ بعض أهلي، أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي رضي الله عنه، فأسأل الله تعالى عنده، فإن الدعاء عنده مستجاب، قال: فأتيت قبر معروف فصليت عنده، ودعوت ثم خرجت لأقصد بغداد، فمررت بعطفاء (محلة من محال بغداد) قال: فرأيت مسجداً مهجوراً، فدخلت لأصلي فيه ركعتين، وإذا أنا بمريض مقعد على بارية، فقعدت عند رأسه فقلت: ما تشتهي؟ قال: سفرجلة. قال: فخرجت إلى بقال هناك، فرهنت عنده مئزري على سفرجلتين وتفاحة، وأتيته بذلك، فأكل من السفرجلة ثم قال: أغلق باب المسجد فأغلقته فتنحى عن البارية وقال: احفر هاههنا، فحفرت وإذا بكوز، فقال: خذ هذا فأنت أحق به. فقلت: أما لك وارث؟ قال: لا، وإنما كان لي أخ وعهدي به بعيد، وبلغني أنه مات، ونحن من الرصافة. قال: فبينما هو يحدثني إذ قضى نحبه، فغسلته وكفنته ودفنته، ثم أخذت الكوز وفيه مقدار خمسمائة دينار، وأتيت إلى دجلة لأعبرها، وإذا ملاح في سفينه عتيقة، وعليه ثياب رثة، فقال: معي معي، فنزلت معه، وإذا به من أكثر الناس شبهاً بذلك الرجل، فقلت: من أين أنت؟ فقال: من الرصافة، ولي بنات، وأنا صعلوك، فقلت: فما لك أحد، قال: لا، كان لي أخ ولـّى منذ زمان ما أدري ما فعل الله به، فقلت: أبسط حجرك، فبسطه فصببت المال فيه فبهت، فحدثته الحديث فسألني أن آخذ نصفه فقلت لا والله ولا حبة، ثم صعدت إلى دار الخلافة وكتبت رقعة، فخرج عليها أشراف المخزن، ثم تدرجت إلى الوزارة.